مـنــــتـــــــــديـــــــــات أمـــــــيـــــــــرة الــــــــقـــصـــــر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

احبتنا زوار الموقع الكرام نود اعلامكم جميعا بان منتدى اميرة القصرمفتوح للجميع لذلك فلا تبخلوا علينا بزيارتكم والتصفح ولو بالقراءة والدعاء

لا نريد ان نجبركم على التسجيل للتصفح نريدكم فقط ان استفدتم شيئاً من الموقع بان تدعو من قلبك لصاحب الموضوع والعاملين بالموقع

ودمتم بحفظ الله ورعايته

"خير الناس أنفعهم للناس"


"خير الناس أنفعهم للناس"[/b]
[/center][/size][/color]
مـنــــتـــــــــديـــــــــات أمـــــــيـــــــــرة الــــــــقـــصـــــر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

احبتنا زوار الموقع الكرام نود اعلامكم جميعا بان منتدى اميرة القصرمفتوح للجميع لذلك فلا تبخلوا علينا بزيارتكم والتصفح ولو بالقراءة والدعاء

لا نريد ان نجبركم على التسجيل للتصفح نريدكم فقط ان استفدتم شيئاً من الموقع بان تدعو من قلبك لصاحب الموضوع والعاملين بالموقع

ودمتم بحفظ الله ورعايته

"خير الناس أنفعهم للناس"


"خير الناس أنفعهم للناس"[/b]
[/center][/size][/color]
مـنــــتـــــــــديـــــــــات أمـــــــيـــــــــرة الــــــــقـــصـــــر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
Awesome Hot Pink
 Sharp Pointer
تفسير سورة الكهف 2 2677716126تفسير سورة الكهف 2 2677716126 منتدى اميرة القصر يرحب بكم زوارنا الكرام حللتم اهلا تفسير سورة الكهف 2 2677716126 تحياتي: ادمن اميرة تفسير سورة الكهف 2 2566353031
المواضيع الأخيرة
» سيد الاستغفار♥️
تفسير سورة الكهف 2 Emptyالإثنين مايو 25, 2020 12:38 pm من طرف اميرة القصر

» دعاء من القلب
تفسير سورة الكهف 2 Emptyالإثنين مايو 25, 2020 12:34 pm من طرف اميرة القصر

» الرقية الشرعية من السحر والحسد قويه جدا السديس
تفسير سورة الكهف 2 Emptyالجمعة نوفمبر 08, 2013 7:43 am من طرف اميرة القصر

» فضل سورة الحاقة
تفسير سورة الكهف 2 Emptyالجمعة نوفمبر 08, 2013 7:38 am من طرف اميرة القصر

» الفرق بين عرش الرحمن وكرسيه
تفسير سورة الكهف 2 Emptyالأربعاء نوفمبر 06, 2013 4:46 pm من طرف كبريائي سر انوثتي

» ((سجل حضورك بنطق الشهادتين))
تفسير سورة الكهف 2 Emptyالأربعاء نوفمبر 06, 2013 4:37 pm من طرف اميرة القصر

» فضائل بر الوالدين
تفسير سورة الكهف 2 Emptyالأربعاء نوفمبر 06, 2013 4:19 pm من طرف كبريائي سر انوثتي

» كلَمِاتُ وِمِعَانٌيّ فُجَرٌتُهِا الَصِوِرٌ !!
تفسير سورة الكهف 2 Emptyالجمعة أغسطس 16, 2013 1:34 pm من طرف اميرة القصر

» Back To My Home
تفسير سورة الكهف 2 Emptyالإثنين مايو 13, 2013 11:25 am من طرف DecoX

الزوار الان
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 17 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 17 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 90 بتاريخ السبت أكتوبر 12, 2024 10:41 pm
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم

 

 تفسير سورة الكهف 2

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ابو نور الحربي
عضو vip
عضو vip
ابو نور الحربي


احترام قانون المنتدى احترام قانون المنتدى : تفسير سورة الكهف 2 111010
تفسير سورة الكهف 2 A2
تفسير سورة الكهف 2 XMm21746


تفسير سورة الكهف 2 PWw21790
رساله sms : :: صديقي ::لا تدعي العظمة فأنمن رزقك بها قادر على اعطائها لغيركاعطي من علمك لمن لا يعلمودع الباري يتكفل برزقك مما لا تعلم
تفسير سورة الكهف 2 Jb12915568671
الفأر
الجوزاء
عدد المساهمات : 191
نقاط : 10431
19/06/1984
تاريخ التسجيل : 11/05/2011
40
الاوسمة : تفسير سورة الكهف 2 A2

تفسير سورة الكهف 2 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة الكهف 2   تفسير سورة الكهف 2 Emptyالسبت أغسطس 13, 2011 6:13 pm

مثل الحياة الدنيا



{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ} هذا مثلٌ آخر للدنيا وبهرجها الخادع يشبه مثل الجنتين في الفناء والزوال، والمعنى اضرب يا محمد للناس مثل هذه الحياة في زوالها وفنائها وانقضائها بماءٍ نزل من السماء فخرج به النبات وافياً غزيراً وخالط بعضه بعضاً من كثرته وتكاثفه {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} أي صار النبات متكسراً من اليبس متفتتاً تنسفه الرياح ذات اليمين وذات الشمال {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} أي قادراً على الإِفناء والإِحياء لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي الأموال والأولاد زينة هذه الحياة الفانية، ذاك مثلها وهذه زينتها والكل إلى فناء وزوال لا يغتر بها إلا الأحمق الجهول {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً} أي أعمال الخير تبقى ثمرتها أبد الآباد فهي خير ما يؤمله الإِنسان ويرجوه عند الله، قال ابن عباس: الباقيات الصالحات هي الصلوات الخمس وعنه أيضاً أنها كل عمل صالحٍ من قول أو فعلٍ يبقى للآخرة، وفي الحديث {سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هنَّ الباقيات الصالحات}.


تسيير الجبال والحشر والعرض على الله


{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47)وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا(48)وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا(49)}


{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ}لما ذكر الدنيا ومآلها ذكر القيامة وأهوالها أي واذكر يوم نزيل الجبال من أماكنها ونسيّرها كما نسيّر السحاب فنجعلها هباءً منبثاً {وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً}أي وترى الأرض ظاهرة للعيان ليس عليها ما يسترها من جبل ولا شجر ولا بنيان، قد قلعت جبالها وهُدم بنيانها فهي بارزة ظاهرة {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} أي جمعنا الأولين والآخرين لموقف الحساب فلم نترك أحداً منهم {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا} أي عُرضوا على رب العالمين مصطفّين، لا يحجبُ أحدٌ أحداً منهم وفي الحديث (يجمع الله الأولين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ صفوفاً)، قال مقاتل: يُعرضون صفاً بعد صف كالصفوف في الصلاة كل أمةٍ وزمرةٍ صفاً {لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي يقال للكفار على وجه التوبيخ والتقريع: لقد جئتمونا حفاةً عراةً لا شيء معكم من المال والولد كهيئتكم حين خلقناكم أول مرة {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} أي زعمتم أن لا بعث ولا جزاء، ولا حساب ولا عقاب {وَوُضِعَ الْكِتَابُ} أي وضعت صحائف أعمال البشر وعُرضت عليهم {فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} أي فترى المجرمين خائفين مما فيه من الجرائم والذنوب {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا} أي يا حسرتنا ويا هلاكنا على ما فرطنا في حياتنا الدنيا {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا} أي ما شأن هذا الكتاب لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ضبطها وأحاط بها؟ قال تعالى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} أي مكتوباً مثبتاً في الكتاب {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} أي لا يعاقب إنساناً بغير جرم، ولا يُنقص من ثواب المحسن.


أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام


{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً(50)مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا(51)وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِي الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا(52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا(53)}


{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ}أي اذكر حين أمرنا الملائكة بالسجود لآدم سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة {فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} أي سجد جميع الملائكة لكن إبليس الذي هو من الجن خرج عن طاعة ربه، والآية صريحة في أن إبليس من الجن لا من الملائكة {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} أي أفتتخذونه يا بني آدم هو وأولاده الشياطين أولياء من دون الله وهم لكم أعداء {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} أي بئست عبادة الشيطان بدلاً عن عبادة الرحمن {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي ما أشهدت هؤلاء الشياطين الذين عبدتموهم من دوني خلق السماوات والأرض {وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ} أي ولا أشهدت بعضهم خلق بعض فهم عبيد أمثالكم لا يملكون شيئاً {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} أي وما كنت متخذ الشياطين أعواناً في الخلق فكيف تطيعونهم من دوني؟ {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِي الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} أي ويوم يقول الله للمشركين: أدعوا شركائي ليمنعوكم من عذابي ويشفعوا لكم كما كنتم تزعمون {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ } أي فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} أي جعلنا بين العابدين والمعبودين مهلكةً لا يجتازها هؤلاء وهي النار {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} أي عاينوها وهي تتغيظ حنقاً عليهم فأيقنوا أنهم داخلوها {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} أي لم يجدوا عنها معدلاً وذلك لأنها أحاطت بهم من كل جانب فلم يقدروا على الهرب منها.



إرسال الرسل لهداية الخلق، وحال المعرضين عن الإيمان وتأخير العذاب رحمة من الله تعالى


{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً(54)وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمْ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ قُبُلاً(55)وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا(56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا(57)وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً(58)وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا(59)}



{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} أي بيّنا في هذا القرآن الأمثال وكرَّرنا الحجج والمواعظ {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} أي وطبيعة الإِنسان الجدلُ والخصومة لا ينيب لحق ولا ينزجر لموعظة {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمْ الْهُدَى} أي ما منع الناسَ من الإِيمان حين جاءهم الهُدى من الله {وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ} أي ومن الاستغفار من الذنوب والآثام{إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} أي إلا انتظارهم أن تأتيهم سنة الأولين وهي الإِهلاك {أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ قُبُلاً} أي يأتيهم عذاب الله عياناً ومقابلة ومعنى الآية أنه ما منعهم من الإِيمان والاستغفار إلا طلبهم أن يشاهدوا العذاب الذي وُعدوا به عياناً ومواجهة كقولهم{فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذابٍ أليم} {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}أي ما نرسل الرسل إلا لغرض التبشير والإِنذار لا للإِهلاك والدمار، مبشرين لأهل الإِيمان ومنذرين لأهل العصيان {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} أي ومع وضوح الحق يجادل الكفار بالباطل ليغلبوا به الحق ويبطلوه فهم حين يطلبون الخوارق ويستعجلون العذاب لا يريدون الإِيمان وإِنما يستهزئون ويسخرون {وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا} أي اتخذوا القرآن وما خُوّفوا به من العذاب سخرية واستهزاءً {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا} أي لا أحد أظلمُ ممن وُعظ بآيات الله البينة، وحججه الساطعة، فتعامى عنها وتناساها ولم يُلقِ لها بالاً {وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} أي نسي ما عمله من الجرائم الشنيعة، والأفعال القبيحة، ولم يتفكر في عاقبتها {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} أي جعلنا على قلوبهم أغطية تحول دون فقه هذا القرآن وإدراك أسراره، والانتفاع بما فيه من المواعظ والأحكام {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} أي وفي آذانهم صمماً معنوياً يمنعهم أن يسمعوه سماع تفهم وانتفاع {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} أي وإن دعوتهم إلى الإِيمان والقرآن فلن يستجيبوا لك أبداً لأنهم لا يفقهون ولا يسمعون، فللهدى قلوبٌ متفتحة مستعدة لقبول الإِيمان وهؤلاء كالأنعام {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} أي وربك يا محمد واسع المغفرة عظيم الرحمة بالعباد مع تقصيرهم وعصيانهم {لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَابَ} أي لو يعاقبهم بما اقترفوا من المعاصي والإِجرام لعجَّل لهم عذاب الدنيا، ولكنه تعالى يمهلهم ويؤخر عنهم العذاب الذي يستعجلونه به رحمةً بهم، وقد جرت سنته بأن يمهل الظالم ولكن لا يهمله {بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً} أي لهم موعد آخر في القيامة يرون فيه الأهوال لن يجدوا لهم فيه ملجأ ولا منجى {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} أي تلك هي أخبار الأمم السالفة والقرون الخالية كقوم هود وصالح ولوط وشعيب أهلكناهم حين ظلموا {وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا}أي جعلنا لهلاكهم وقتاً محدَّداً معلوماً، أفلا يعتبر هؤلاء المكذبون المعاندون؟ والآية وعيد وتهديد لكفار قريش، قال ابن كثير: والمعنى احذروا أيها المشركون أن يصيبكم ما أصابهم فقد كذبتم أعظم نبيٍّ وأشرف رسول، لستم بأعزَّ علينا منهم فخافوا عذابي ونّذري.


قصة موسى عليه السلام مع الخَضِر


{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا(60)فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا(61)فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا(62)قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيه إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا(63)قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا(64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا(65)قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا(66)قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا(67)وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا(68)قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا(69)قَالَ فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا(70)فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا(71)قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا(72)قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا(73)فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا(74)قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا(75)قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا(76) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا(77)قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا(78)أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا(79)وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا(80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا(81)وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا(82)}


المنَــاسَبَة:

لما ضرب تعالى المثل في قصة صاحب الجنتين، وضرب المثل للحياة الدنيا وما فيها من نعيم خادع ومتاع زائل، نبَّه تعالى إلى الغاية من ذكر هذه الأمثال وهي "العظةُ والاعتبار" ثم ذكر القصة الثالثة "قصة موسى مع الخضر" وما فيها من أمور غيبيَّة عجيبة.


{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} هذه هي القصة الثالثة في هذه السورة الكريمة والمعنى اذكر حين قال موسى الكليم لفتاه "يوشع بن نون" لا أزال أسير وأتابع السير حتى أصل إلى ملتقى بحر فارس وبحر الروم مما يلي جهة المشرق وهو مجمع البحرين {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} أي أسير زماناً إلى أن أبلغ ذلك المكان {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا} أي فلما بلغ موسى وفتاه مجمع البحرين نسي "يوشع" أن يخبر موسى بأمر الحوت وما شاهده منه من الأمر العجيب، روي أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن يأخذ معه حوتاً فيجعله في مِكْتل فحيثما فقد الحوت فهناك الرجل الصالح {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} أي اتخذ الحوت سبيله في البحر مسلكاً، قال المفسرون: كان الحوت مشوياً فخرج من المِكْتل ودخل في البحر وأمسك الله جرية الماء على الحوت فصار كالطاق عليه وجمد الماء حوله وكان ذلك آيةً من ءايات الله الباهرة لموسى عليه السلام {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا} أي فلما قطعا ذلك المكان وهو مجمع البحرين الذي جُعل موعداً للملاقاة قال موسى لفتاه أعطنا طعام الغداء {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} أي لقينا في هذا السفر العناء والتعب، وكان قد سار ليلة وجزءاً من النهار بعد أن جاوز الصخرة {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} أي قال الفتى "يوشع بن نون" حين طلب موسى منه الحوت للغداء أرأيت حين التجأنا إلى الصخرة التي نمت عندها ماذا حدث من الأمر العجيب؟ لقد خرج الحوتُ من المكتل ودخل البحر وأصبح عليه مثل الكوة وقد نسيتُ أن أذكر لك ذلك حين استيقظتَ {وَمَا أَنْسَانِيه إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} أي وقد أنساني الشيطان أن أخبرك عن قصته الغريبة {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} أي واتخذ الحوتُ طريقه في البحر وكان أمره عجباً، يتعجب الفتى من أمره لأنه كان حوتاً مشوياً فدبَّت فيه الحياة ودخل البحر {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} أي قال موسى هذا الذي نطلبه ونريده لأنه علامة على غرضنا وهو لُقْيا الرجل الصالح فارتدا على آثارهما قَصَصاً أي رجعا في طريقهما الذي جاءا منه يتتبعان أثرهما الأول لئلا يخرجا عن الطريق {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا} أي وجدا الخضر عليه السلام عند الصخرة التي فقد عندها الحوت، وفي الحديث أن موسى وجد الخضر مسجَّى بثوبه مستلقياً على الأرض، فقال له: السلام عليك، فرفع رأسه، وقال: وأنّى بأرضك السلام؟ {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} أي وهبناه نعمة عظيمة وفضلاً كبيراً وهي الكرامات التي أظهرها الله على يديه {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} أي علماً خاصاً بنا لا يُعلم إلا بتوفيقنا وهو علم الغيوب، قال العلماء: هذا العلم الرباني ثمرة الإِخلاص والتقوى ويسمى "العلم اللدُنِّي" يورثه الله لمن أخلص العبودية له، ولا ينال بالكسب والمشقة وإِنما هو هبة الرحمن لمن خصَّه الله بالقرب والولاية والكرامة {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} أي هل تأذن لي في مرافقتك لأقتبس من علمك ما يرشدني في حياتي؟ قال المفسرون: هذه مخاطبة فيها ملاطفة وتواضع من نبي الله الكريم وكذلك ينبغي أن يكون الإِنسان مع من يريد أن يتعلم منه {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا} أي قال الخضر: إنك لا تستطيع الصبر على ما ترى، قال ابن عباس: لن تصبر على صنعي لأني علمتُ من غيب علم ربي {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} أي كيف تصبر على أمرٍ ظاهره منكرٌ وأنت لا تعلم باطنه؟ {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} أي قال موسى ستراني صابراً ولا أعصي أمرك إن شاء الله {قَالَ فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلا تسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} شرط عليه قبل بدء الرحلة ألا يسأله ولا يستفسر عن شيء من تصرفاته حتى يكشف له سرها، فقبل موسى شرطه رعايةً لأدب المتعلم مع العالم، والمعنى لا تسألني عن شيء مما أفعله حتى أبيّنه لك بنفسي {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا} أي انطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر حتى مرت بهما سفينة فعرفوا الخضر فحملوهما بدون أجر فلما ركبا السفينة عمد الخضر إلى فأس فقلع لوحاً من ألواح السفينة بعد أن أصبحت في لجة البحر {قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} أي قال له موسى مستنكراً: أخرقت السفينة لتغرق الركاب؟ {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} أي فعلت شيئاً عظيماً هائلاً، يروى أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فجعله مكان الخرق ثم قال للخضر: قومٌ حملونا بغير أجرٍ عمدتَ إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهل السفينة لقد فعلت أمراً منكراً عظيماً!! {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا} أي ألم أخبرك من أول الأمر أنك لا تصبر على ما ترى من صنيعي؟ ذكَّره بلطفٍ في مخالفته الشرط {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} أي لا تؤاخذني بمخالفتي الشرط ونسياني العهد {وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} أي لا تكلفني مشقةً في صحبتي إياك وعاملني باليُسر لا بالعُسر {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ} أي فقبل عذره، وانطلقا بعد نزولهما من السفينة يمشيان فمرَّا بغلمانٍ يلعبون وفيهم غلام وضيء الوجه جميل الصورة فأمسكه الخضر واقتلع رأسه بيده ثم رماه في الأرض {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي قال موسى: أقتلت نفساً طاهرةً لم ترتكب جرماً ولم تقتل نفساً حتى تُقتل به {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} أي فعلت شيئاً منكراً عظيماً لا يمكن السكوت عنه ..لم يكن موسى ناسياً في هذه المرة ولا غافلاً ولكنه قاصدٌ أن يُنكر المنكر الذي لا يصبر على وقوعه بالرغم من تذكره لوعده، وقال هنا {نُكراً} أي منكراً فظيعاً وهو أبلغ من قوله {إمْراً} في الآية السابقة، ذكر القرطبي أن موسى عليه السلام لما قال للخضر {أقتلتَ نفساً زكيَّة} غضب واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه فإذا مكتوب في عظم كتفه كافرٌ لا يؤمن بالله أبداً.

{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا} أي ألم أقل لك أنتَ على التعيين والتحديد لن تستطيع الصبر على ما ترى مني؟ قال المفسرون: وقَّره في الأول فلم يواجهه بكاف الخطاب فلما خالف في الثاني واجهه بقوله {لك} لعدم العذر هنا، ويعود موسى لنفسه ويجد أنه خالف وعده مرتين، فيندفع ويقطع على نفسه الطريق ويجعلها آخر فرصةٍ أمامه {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} أي إن أنكرت عليك بعد هذه المرة واعترضتُ على ما يصدر منك فلا تصحبني معك {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} أي قد أعذرت إليَّ في ترك مصاحبتي فأنت معذورٌ عندي لمخالفتي لك ثلاث مرات {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} أي مشيا حتى وصلا إلى قرية، قال ابن عباس: هي انطاكية فطلبا طعاماً وكان أهلها لئاماً لا يطعمون جائعاً، ولا يستضيفون ضيفاً، فامتنعوا عن إضافتهما أو إطعامهما {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ}أي وجداً حائطاً مائلاً يوشك أن يسقط ويقع {فَأَقَامَهُ}أي مسحه الخضر بيده فاستقام، وقيل إنه هدمه ثم بناه في القرية كلاهما مرويٌ عن ابن عباس{قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} أي قال له موسى لو أخذت منهم أجراً نستعين به على شراء الطعام!! أنكر عليه موسى صنيع المعروف مع غير أهله، روي أن موسى قال للخضر: قومٌ استطعمناهم فلم يطعمونا، وضِفناهم فلم يضيّفونا، ثم قعدت تبني لهم الجدار لو شئتَ لاتخذت عليه أجراً! {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} أي قال الخضر: هذا وقت الفراق بيننا حسب قولك {سَأُنَبِّئُكَ بِتأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} أي سأخبرك بحكمة هذه المسائل الثلاث التي أنكرتها عليَّ ولم تستطع عليها، وفي الحديث (رحم الله أخي موسى لوددت أنه صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما ولو لبث مع صاحبه لأبصر العجب) {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} هذا بيانٌ وتفصيل للأحداث العجيبة التي رآها موسى ولم يطق لها صبراً، والمعنى أما السفينة التي خرقتها فكانت لأناس ضعفاء لا يقدرون على مدافعة الظَّلمة يشتغلون بها في البحر بقصد التكسب{فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} أي أردتُ بخرقها أن أجعلها معيبة لئلا يغتصبها الملك الظالم {وَكَانَ وَرَاءهُمْ مَلِكٌ}أي كان أمامهم ملك كافر ظالمٌ {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} أي يغتصب كل سفينة صالحة لا عيب فيها{وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ}أي وأما الغلام الذي قتلتُه فكان كافراً فاجراً وكان أبواه مؤمنين، وفي الحديث (إن الغلام الذي قتله الخضر طُبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً) {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} أي فخفنا أن يحملهما حبُّه على اتَباعه في الكفر والضلال {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} أي فأردنا بقتله أن يرزقهما الله ولداً صالحاً خيراً من ذلك الكافر وأقربَ براً ورحمة بوالديه {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا} أي وأما الجدار الذي بنيتُه دون أجر والذي يوشك أن يسقط فقد خبئ تحته كنزٌ من ذهب وفضة لغلامين يتيمين {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} أي وكان والدهما صالحاً تقياً فحفظ الله لهما الكنز لصلاح الوالد، قال المفسرون: إن صلاح الآباء ينفع الأبناء، وتقوى الأصول تنفع الفروع{فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْرَبِّكَ}أي فأراد الله بهذا الصنيع أن يكبرا ويشتد عودهما ويستخرجا كنزهما من تحت الجدار {رحمة من ربك} أي رحمةً من الله بهما لصلاح أبيهما{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} أي ما فعلتُ ما رأيتَ من خرْقِ السفينة، وقتل الغلام، وإِقامة الجدار عن رأيي واجتهادي، بل فعلته بأمر الله وإِلهامه {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} أي ذلك تفسير الأمور التي لم تستطع الصبر عليها وعارضت فيها قبل أن أخبرك عنها.



قصة ذي القرنين و يأجوج ومأجوج


{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا(83)إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا(84)فَأَتْبَعَ سَبَبًا(85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا(86)قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا(87)وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا(88)ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا(89)حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا(90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا(91)ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا(92)حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا(93)قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا(94)قَالَ مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا(95)آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا(96)فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا(97)قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا(98)وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا(99)}


المنَــاسَبَة

لما ذكر تعالى قصة الخضر أعقبها بقصة ذي القرنين ورحلاته الثلاث إلى الغرب، والشرق، وإلى السَّدين، وبناؤه للسدّ في وجه "يأجوج ومأجوج" وهي القصة الرابعة من القصص المذكورة في هذه السورة، وجميعها ترتبط بالعقيدة والإِيمان، وهو الهدف الأصيل للسورة الكريمة.


سَبَبُ النّزول:

أ- قال قتادة: إن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين فأنزل الله {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ..} الآية.

ب- قال مجاهد: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله: إني أتصدق، وأصلُ الرحم، ولا أصنع ذلك إلا لله تعالى، فيُذكر ذلك مني وأُحمد عليه فيسرني ذلك وأُعجب به، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً فأنزل الله {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} .


{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} أي يسألك اليهود يا محمد عن ذي القرنين ما شأنه؟ وما قصته؟ {قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} أي قل لهم سأقص عليكم من نبأه وخبره قرآناً ووحياً {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} أي يسرنا له أسباب الملك والسلطان والفتح والعمران، وأعطيناه كل ما يحتاج إليه للوصول إلى غرضه من أسباب العلم والقدرة والتصرف، قال المفسرون: ذو القرنين هو "الاسكندر اليوناني" ملكَ المشرق والمغرب فسمي ذا القرنين، وكان ملكاً مؤمناً مكَّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، روي أن الذين ملكوا الأرض أربعة: مؤمنان وكافران، أما المؤمنان فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران فنمرود وبختنصر {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} أي سلك طريقه الذي يسره الله له وسار جهة المغرب{حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ} أي وصل المغرب{وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} أي وجد الشمس تغرب في ماء وطين - حسب ما شاهد لا حسب الحقيقة - فإِن الشمس أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض، قال الرازي: إن ذا القرنين لما بلغ أقصى المغرب ولم يبق بعده شيء من العمارات وجد الشمس كأنها تغرب في عين وهدة مظلمة وإِن لم تكن كذلك في الحقيقة كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إِذا لم ير الشطَّ وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر {وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا} أي وجد عند تلك العين الحارة ذات الطين قوماً من الأقوام {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} أي قلنا له بطريق الإِلهام: إما أن تقتلهم، أو تدعوهم بالحسنى إلى الهداية والإِيمان، قال المفسرون: كانوا كفاراً فخيرَّه الله بين أن يعذبهم بالقتل، أو يدعوهم إلى الإِسلام فيُحسن إليهم {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} أي من أصرَّ على الكفر فسوف نقتله{ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} أي ثم يرجع إلى ربه فيعذبه عذاباً منكراً فظيعاً في نار جهنم {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} أي وأمّا من آمن بالله وأحسن العمل في الدنيا وقدَّم الصالحات فجزاؤه الجنة يتنعَّم فيها {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} أي نيسر عليه في الدنيا فلا نكلفه بما هو شاق بل بالسهل الميسِّر. اختار الملك العادل دعوتهم بالحسنى فمن آمن فله الجنة، والمعاملة الطيبة، والمعونة والتيسير، ومن بقي على الكفر فله العذاب والنكال في الدنيا والآخرة{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} أي سلك طريقاً بجنده نحو المشرق {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ} أي حتى إِذا وصل أقصى المعمورة من جهة الشرق حيث مطلع الشمس في عين الرائي {وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} أي وجد الشمس تشرقُ على أقوامٍ ليس لهم من اللباس والبناء ما يسترهم من حر الشمس فإِذا طلعت الشمس دخلوا في أسراب تحت الأرض، وإِذا غربتْ خرجوا لمكاسبهم، قال قتادة: مضى ذو القرنين يفتح المدائن ويجمع الكنوز ويقتل الرجال إلاّ من آمن حتى أتى مطلع الشمس فأصاب قوماً من أسراب عراةً، ليس لهم طعام إلا ما أنضجته الشمس إذا طلعت، حتى إذا زالت عنهم الشمس خرجوا من أسرابهم في طلب معايشهم، وذُكر لنا أنهم كانوا في مكان لا يثبت عليه بنيان، ويقال إنهم الزنج{كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} أي كذلك فعل بأهل المشرق من آمن تركه ومن كفر قتله كما فعل بأهل المغرب وقد أحطنا علماً بأحواله وأخباره، وعتاده وجنوده، فأمرُه من العظمة وكثرة الرجال بحيث لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} أي سلك طريقاً ثالثاً بين المشرق والمغرب يوصله جهة الشمال حيث الجبال الشاهقة {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} أي حتى إذا وصل إلى منطقة بين حاجزين عظيمين، بمنقطع أرض بلاد الترك مما يلي أرمينية وأذربيجان، قال الطبري: والسَّدُ: الحاجز بين الشيئين وهما هنا جبلان سُدَّ ما بينهما، فردَم ذو القرنين حاجزاً بين يأجوج ومأجوج من ورائهم ليقطع مادة غوائلهم وشرهم عنهم{وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً} أي وجد من وراء السدين قوماً متخلفين لا يكادون يعرفون لساناً غير لسانهم إلا بمشقة وعُسر، قال المفسرون: إنما كانوا لا يفقهون القول لغرابة لغتهم، وبطء فهمهم، وبعدهم عن مخالطة غيرهم، وما فهم كلامهم إلا بواسطة ترجمان {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ} أي قال القوم لذي القرنين: إن يأجوج ومأجوج - قبيلتان من بني آدم في خلقهم تشويهٌ، منهم مفرطٌ في الطول، ومنهم مفرطٌ في القِصر - قومٌ مفسدون بالقتل والسلب والنهب وسائر وجوه الشر، قال المفسرون: كانوا من أكلة لحوم البشر، يخرجون في الربيع فلا يتركون أخضر إلا أكلوه، ولا يابساً إلا احتملوه {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} أي هل نفرض لك جزءاً من أموالنا كضريبة وخراج {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} أي لتجعل سداً يحمينا من شر يأجوج ومأجوج، قال أبو حيّان: هذا استدعاءٌ منهم لقبول ما يبذلونه على جهة حسن الأدب {قَالَ مَا مَكَّني فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} أي ما بسطه الله عليَّ من القُدرة والمُلك خيرٌ مما تبذلونه لي من المال {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} أي لا حاجة لي إلى المال فأعينوني بالأيدي والرجال {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} أي أجعل بينكم وبينهم سداً منيعاً، وحاجزاً حصيناً، وهذه شهامة منه حيث رفض قبول المال وتطوَّع ببناء السد واكتفى بعون الرجال {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} أي أعطوني قطع الحديد واجعلوها لي في ذلك المكان {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} أي حتى إذا ساوى البناء بين جانبي الجبلين {قَالَ انفُخُوا} أي انفخوا بالمنافيخ عليه {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ} أي جعل ذلك الحديد المتراكم كالنار بشدة الإِحماء {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} أي أعطوني أصبُّ عليه النحاس المذاب، قال الرازي: لما أتوه بقطع الحديد وضع بعضها على بعض حتى صارت بحيث تسدُّ ما بين الجبلين إلى أعلاهما، ثم وضع المنافخ عليها حتى إذا صارت كالنار صبَّ النحاس المذاب على الحديد المحمي فالتصق بعضه ببعض وصار جبلاً صلداً {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} أي فما استطاع المفسدون أن يعلوه ويتسوروه لعلوه وملاسته {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} أي وما استطاعوا نقبه من أسفل لصلابته وثخانته، وبهذا السد المنيع أغلق ذو القرنين الطريق على يأجوج ومأجوج {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي}أي قال ذو القرنين: هذا السدُّ نعمةٌ من الله ورحمة على عباده {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} أي فإِذا جاء وعد الله بخروج يأجوج ومأجوج وذلك قرب قيام الساعة {جَعَلَهُ دَكَّاءَ} أي جعله الله مستوياً بالأرض وعاد متهدماً كأن لم يكن بالأمس {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} أي كان وعده تعالى بخراب السدِّ وقيام الساعة كائناً لا محالة .. وهنا تنتهي قصة ذي القرنين ثم يأتي الحديث عن أهوال الساعة وشدائد القيامة قال تعالى {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} أي تركنا الناس يوم قيام الساعة يضطرب بعضهم ببعض - لكثرتهم - كاضطراب موج البحر {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} أي ونفخ في الصور النفخة الثانية فجمعناهم للحساب والجزاء في صعيد واحدٍ جمعاً لم يتخلف منهم أحد.


محاسبة الكفار


{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا(100)الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا(101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً(102)قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً(103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا(105)ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا(106)}


{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} أي أبرزنا جهنم وأظهرناها للكافرين يوم جمع الخلائق حتى شاهدوها بأهوالها عرضاً مخيفاً مفزعاً {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} أي هم الذين كانوا في الدنيا عُمياً عن دلائل قدرة الله ووحدانيته فلا ينظرون ولا يتفكرون {وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} أي لا يطيقون أن يسمعوا كلام الله تعالى لظلمة قلوبهم، قال أبو السعود: وهذا تمثيلٌ لإِعراضهم عن الأدلة السمعية، وتعاميهم عن الآيات المشاهدة بالأبصار فكأنهم عميٌ صم {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} الهمزة للإِنكار والتوبيخ أي أفظنَّ الكافرون أن يتخذوا بعض عبادي آلهة يعبدونهم دوني كالملائكة وعزير والمسيح ابن مريم، وأن ذلك ينفعهم أو يدفع عنهم عذابي؟ قال القرطبي: جواب الاستفهام محذوف تقديره أفحسبوا أن ذلك ينفعهم، أو لا أعاقبهم ) إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً} أي هيأنا جهنم وجعلناها ضيافةً لهم كالنُزُل المعد للضيف، قال البيضاوي: وفيه تهكمٌ بهم وتنبيهٌ على أن لهم وراءها من العذاب ما تستحقر جهنم دونه {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً}[b:ed5
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Méèry Aminos Amry

Méèry Aminos Amry


رساله sms : :: صديقي ::لا تدعي العظمة فأنمن رزقك بها قادر على اعطائها لغيركاعطي من علمك لمن لا يعلمودع الباري يتكفل برزقك مما لا تعلم
تفسير سورة الكهف 2 Jb12915568671
عدد المساهمات : 51
نقاط : 10099
تاريخ التسجيل : 16/03/2011

تفسير سورة الكهف 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الكهف 2   تفسير سورة الكهف 2 Emptyالأربعاء أغسطس 17, 2011 1:44 pm

جزاك الله خير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سورة الكهف 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة الكهف
» تفسير سورة سورة الفاتحة
» سورة الكهف كاملة | الشيخ احمد بن على العجمي
» تفسير سورة الحشر
» تفسير سورة الواقعة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مـنــــتـــــــــديـــــــــات أمـــــــيـــــــــرة الــــــــقـــصـــــر :: الـــــــــمنتـــدى الـــــــــــــديــنـــي ::  قــــــــــسم عـــــــــــلـوم الـقران-
انتقل الى: